وجه من وجوه بنغازي

حميدة بن عامر

حميدة بن عامر

بتاريخ 1922.12.13 وفي شارع عصمان بمدينة بنغازي ولدت الإذاعية القديرة السيدة حميدة محمد محمد بن عامر في منزل جدها القاضي محمد بن عامر قرب جامع بوقلاز (جامع عصمان)، وقد اختار لها جدها اسم حميدة.

التحقت الطالبة الصغيرة حميدة محمد بن عامرعام 1928 بالدراسة في المدرسة الإبتدائية الإيطالية الواقعة في شارع عثمان ابحيح والخاصة بالبنات، حيث اصطحبها والدها الشيخ محمد بن عامر للمدرسة وهناك سألته المعلمة حميدة العنيزي عن عمر ابنته فأخبرها بأن عمرها ست سنوات، وتم قبولها في المدرسة.

كانت الدراسة بالمدرسة الإبتدائية مقسمة إلى فترتين صباحية ومسائية، في الصباح تشمل الدراسة اللغة العربية والقرآن الكريم والحساب ومبادئ الجغرافيا، وبعد الظهر تشمل اللغة الإيطالية إلى جانب الخياطة والتطريز، وكانت المعلمتان الليبيتان حميدة العنيزي وبديعة فليفلة هما القائمتان بمهمة تعليم الطالبات الصغيرات في المدرسة.

تحصلت الطالبة حميدة بن عامر على الشهادة الإبتدائية بعد ست سنوات من الدراسة، وتعلمت خياطة النول على يدي الحاجة خديجة بعيو، وواصلت الدراسة لمدة عامين حيث نالت

الشهادة الإعدادية، وقد اهتم الأستاذ محمد بن عامر بتعليم ابنته اللغة العربية وتثقيفها وتبصيرها بأمور الدين، وكان يحفظها ما تيسر من القرآن الكريم، ويزودها بالصحف والمجلات الصادرة في ذلك الوقت والتي كان يشتريها من مكتبة بوقعيقيص الواقعة بميدان الحدادة.

وفي عام 1939 تزوجت السيدة حميدة بن عامر من السيد حسين سالم بن عامر، وقد بعث الشاعر أحمد رفيق من جيحون بتركيا قصيدة بهذه المناسبة إلى صديقه المحامي محمد بن عامر يهنئه فيها بعقد قران إبن أخيه على كريمته الكبرى ويقول فيها:

    فرح وفوز بالمنى ونجاح .. يا آل عامر دامت الأفراح
    دام السرور لكم ودام لبيتكم .. مجد يردد ذكره المداح
    مجد دعائمه التقى وعماده .. كرم وعلم واسع وصلاح
    رفع ابن عامر سمكه وأتمه .. خلف نجيب للعلا طماح

في عام 1954 تأسست جمعية النهضة النسائية بمدينة بنغازي برئاسة السيدة حميدة العنيزي صاحبة الفكرة والمبادرة، وقد ساهمت مجموعة من السيدات في تأسيس هذه الجمعية مع السيدة حميدة العنيزي، وكانت السيدة حميدة محمد بن عامر من العضوات المؤسسات لهذه الجمعية واللائي بدأن مسيرة الجمعية خطوة بخطوة وكن يمتلكن العزيمة ويعملن بإخلاص ومثابرة حتى تمكنت الجمعية بفضلهن من النهوض، والإستمرار في أداء المهام الخيرية التي عادت بالنفع على المجتمع، وساهمت في النهوض به.

وقد ساهمت السيدة حميدة محمد بن عامر في كافة الأعمال التطوعية التي كانت تقوم بها عضوات الجمعية من جمع التبرعات للأسر الفقيرة وخياطة الملابس لأطفال دار الرعاية ونزلاء الملجأ الإسلامي (كان يقع في منطقة البركة وقد أسسه السيد عمركانون مع أعضاء اللجنة الخيرية)، وإعداد الوجبات الغذائية لهم وزيارتهم في الأعياد من أجل تقديم الهدايا لهم والرفع من روحهم المعنوية.

وفي عام 1954 اتصلت الإذاعة المحلية بالسيدة حميدة العنيزي رئيسة جمعية النهضة النسائية وأبلغتها عن رغبتها في تقديم برنامج ركن المرأة، وطلبت منها ترشيح من تراها مناسبة لتقديم البرنامج، واشترطت الإذاعة أن تكون المذيعة من بنات العائلات المرموقة في المدينة، وأن تتمتع بثقافة عالية وشجاعة أدبية.

اقترحت السيدة حميدة العنيزي رئيسة الجمعية على زميلتها السيدة حميدة بن عامر أن تقوم بتقديم برنامج ركن المرأة عبر الإذاعة المسموعة، بحيث تخاطب عبر هذا البرنامج المرأة في بيتها، ولم يكن من السهل القيام بهذه المهمة في ذلك الوقت، فترددت السيدة حميدة بن عامر في بداية الأمر، وكانت تخشى من عدم موافقة والدها على ذلك، أما بالنسبة لزوجها فلم يكن يمانع، وقد أبدت السيدة حميدة استعدادها للذهاب إلى الأستاذ محمد بن عامر وإقناعه بالموافقة.

عرضت السيدة حميدة بن عامر على والدها أمر البرنامج الإذاعي ركن المرأة فوافق على الفور وشرعت في إعداد وتقديم البرنامج الذي كانت تقوم بتسجيل حلقاته في المنزل، وقد كان مهندس الإرسال محمد علي التاجوري يصل إلى بيت عائلة بن عامر في منطقة البركة ومعه آلة التسجيل ليسجل الحلقة بصوت الإذاعية الأولى حميدة بن عامر.

واستمر البرنامج يذاع أسبوعياً، والتحقت بعد ذلك السيدة خديجة الجهمي بالإذاعة وكانت مذيعة ربط وقدمت العديد من البرامج، وكانت تربطها علاقة صداقة بالإذاعية حميدة بن عامر، وقد ذكرت الأخيرة بأنها كانت في زيارة آخر مرة لصديقتها خديجة الجهمي في مدينة طرابلس في اليوم الذي سبق وفاتها.

بعد حوالي عامين من مسيرة البرنامج بدأت الإذاعية حميدة بن عامر في تسجيل حلقاته بمقر الإذاعة في منطقة البركة، واستمرت إلى أن تم افتتاح الإذاعة المسموعة الليبية في منطقة راس عبيدة.

تعاون الكثيرون من الكتاب والمثقفين والطلاب مع الإذاعية حميدة بن عامر في إعداد مادة البرنامج، وكان من ضمن المتعاونين معها الكاتب والأديب طالب محمد الرويعي، والأستاذ فرج الشويهدي، والأستاذ جبريل الحاسي، وكان الشاعر فتحي المرشتي يزود البرنامج بقصائده الشعبية حول المرأة، كما كانت بعض الطالبات يساهمن بكتاباتهن في البرنامج ومنهن الطالبة فتحية مازق والطالبة هنية الكاديكي.

تناول برنامج ركن المرأة العديد من القضايا الاجتماعية مثل قضية الطلاق وغلاء المهور وغيرهما، وأجرت الإذاعية حميدة بن عامر اللقاءات مع مختلف الشرائح الإجتماعية من مدرسات الرعيل الأول وصحفيات وكاتبات وأطباء وغيرهم، كما خصصت من ضمن فقرات البرنامج فقرة للمطبخ وتقديم الأكلات المختلفة.

لاقى البرنامج الكثير من التشجيع، وكانت الرسائل تصل إليه تباعاً، واستمرت حميدة بن عامر في إعداد وتقديم البرنامج حتى عام 1961، حيث اعتزلت العمل الإذاعي، وتولت ابنتها الأستاذة أمينة بن عامر مسؤولية إعداد وتقديم البرنامج.

التحقت السيدة حميدة محمد بن عامر بمجال التعليم منذ عام 1961، وتم تعيينها مدرسة فصل ابتدائي، ثم مدرسة لتعليم الخياطة والأشغال اليدوية، واستمرت في العمل بمجال التعليم لمدة 23 عاماً، حتى تقاعدت بعد مسيرة من العطاء الذي تنوع بين العمل التطوعي من خلال جمعية النهضة النسائية والعمل الإذاعي والتعليم.

في الإذاعة المسموعة الليبية أعمال باقية ظلت شاهدة على العطاء، كانت أعمالاً جادة تصل بصدقها إلى قلوب المستمعين، تهتم بقضاياهم اليومية، وتسهم في توجيههم وإرشادهم، ومن هذه الأعمال التي حفظتها ذاكرة الإذاعة المسموعة في سجل الريادة برنامج ركن المرأة الذي كان أول من قدمه الإذاعية حميدة محمد بن عامر، وقد كان أول برنامج من نوعه يخاطب المرأة ويهتم بقضاياها ويهدف إلى توعيتها وتثقيفها.

المصدر: موقع منظمة إيراتو للإعلام والثقافة